يا إلهي ما هذا الذي فعلناه ؟!
و اليوم؛ وفي العام 2015.. يكون قد ولّى 70 عامًا، يستعيد اليابانيون ذكرى ماحدث و كأنها البارحة..
أسباب ماجرى
كان السبب الرئيسي وراء ذلك التهوّر البشري؛ هو رفض الرئيس الياباني حينها “سوزوكي”؛ إعلان مؤتمر بوتسدام؛ الذي يلزمه بضرورة أن تستسلم بلاده في الحرب؛ إستسلامًا كاملًا؛ دون أي شروط.
كان التهديد من قِبَل الولايات المتحدة قاسيًا، وغير مفهوم إلى ماذا يرمي. فقبل أن تُعطي اليابان رأيها في ذلك الإستسلام، أصدر الرئيس الأمريكي “هاري ترومان”؛ تهديده بأنه في حال رفض اليابان لذلك الإعلان؛ سيؤدي ذلك إلى أن دول الحلفاء ستقوم بمهاجمة البلاد؛ مُخلفة وراءها تدميرًا حتميًا للقوات المسلحة اليابانية، و الوطن بأكمله. لكن بكل تأكيد؛ لم يكن يُتوقع أن تلقى قنبلة ذرية على البلاد.!
بعد رفض الإعلان؛ أمر الرئيس الأمريكي “ترومان” بتنفيذ حكم الإعدام الجماعي في حق اليابانيين، و ليُلقن الرئيس الياباني درسًا لن ينساه. و ما جرى؛ كان درسًا تعلمه العالم أجمع.
تنفيذ التهديد؛ و ما جرى
في الحقيقة؛ هي ليست حادثة واحدة، لكن تصدّر اسم هيروشيما لها؛ كونها أول مكان مأهول يُلقى فيه قنبلة ذرية في تاريخ البشرية، و بالطبع؛ ستظل مُتصدرة المشهد.
![]() |
صورة للإنفجار؛ على يمين الصورة ناغازاكي.. و اليسار؛ هيروشيما |
في الـ 28 من يوليو؛ رفضت اليابان الإستسلام؛ و كان عليها أن تستعد للقادم الأسود. حتى تاريخ الـ 6 من أغسطس عام 1945 م؛ ألقيت القنبلة الذرية الأولى “الولد الصغير“؛ على هيروشيما. مات على الفور ما يقرب من “70.000 شخص”، و سُويت المدينة عن بكرة أبيها؛ سوى من بعض المباني الصلبة.
![]() |
صورة للقنبلة “الولد الصغير” |
قنبلة ذرية؛ تزن ” 4000 كيلوجرام”؛ أُستخدم فيها نحو “64 كيلوجرام” من اليورانيوم- 235؛ أحد أهم النظائر النادرة لليورانيوم، مُخلفة قوة تدميرية بلغت حدتها ما يقرب من “15000 طن متفجرات”، و درجة حرارة هائلة وصلت لــ 4000 درجة مئوية، بالإضافة لكميات هائلة مُشعة من أشعة جاما، و النيترونات.
حملتها الطائرة الأمريكية “إنولا جاي”؛ التي وقف طاقمها بجوارها لإلتقاط صورة تذكارية قبل الغارة، غير مُدركين ما سيحدث.
![]() |
صورة لطاقم الطائرة “إنولا جاي” قبل الغارة |
شاهد هذا الوثائقي
و في التاسع من أغسطس- بعدها بـ 3 أيام-؛ أُلقيت القنبلة الثانية “الرجل البدين“؛ على ناغازاكي. من إسمها؛ قنبلة إنشطارية هائلة؛ أكبر حجمًا و تكوينًا من سابقتها. تزن “4600 كيلوجرام”؛ أستخدم فيها البلوتونيوم- 239.
ما بعد الحادثة؛ روايات بعض الناجين
رضخت اليابان لشروط أعدائها في الحرب، فلا أحد يعلم كيف، و ماهو، حجم الكارثة القادمة؛ التي كان من المُتوقع أن تحدث في حين أصرّت البلاد على موقفها ؟.
إختفت المعالم لمدينيتن كانتا هنا. هذا أقل ما يمكن أن تصف به المشهد بعد ما جرى، و ظلت تلك المنطقتين؛ متأثرتين بهول الإشعاع، و الحرارة؛ التي إمتصها سطح الأرض، لتختفي كافة معالم الحياة فيها لسنين من الزمن، قبل أن يقوم الوقت بعمله، و يجعلها صالحة للعيش مرة أخرى.
هيروشيما
![]() |
هيروشيما بعد أن زال غطاء الإنفجار عنها |
ناغازاكي
![]() |
ناغازاكي؛ لم تختلف عن سابقتها كثيرًا؛ و ربما أكثر ضررًا |
كُتب لقلة قليلة؛ النجّاة بالرغم من المشاهد المروعة التي أُلتقطت أثناء، و بعد إلقاء القنبلتين؛ لكن ظلت أثار الحادثة في أذهانهم، و بادية بوضوح على أجسادهم أيضًا.
بلغ عدد هؤلاء الناجين نحو 235.569 ناجيًا؛ يُطلق عليهم اسم “الهيباكوشا”؛ و ترجمتها من اليابانية ” السكان المتضررين من الإنفجار”. من على متن سفينة تُدعى “السلام” يجوبون بها العالم؛ أصبحت مهمتهم هي توعية الناس بخطورة إستخدام الأسلحة النووية، و أسلحة الدمار الشامل؛ في الحروب و ضد البشر، بالإضافة أنهم يروون قصصهم، و كيف نجوا ؟. هذه بعضًا من رواياتهم..
أكيهيرو تاكاهاشي؛ كان في الرابعة عشر من عمره حين وقعت الكارثة. كان برفقة زملائه في الصباح في مدرسة ثانوية تبعد 1.4 كم من موقع الحادث. نجا من الإنفجار الهائل؛ لكنه ظل يتلقى العلاج لمدة عامٍ و نصف، و حتى الآن تنمو أظافره باللون الأسود.
يقول في روايته: “كانت درجة الحرارة هائلة، شعرت بأن كل جزء من جسدي يحترق؛ فألقيت بنفسي في نهرٍ مجاور للتقليل من حدة ما أشعر به. ثم غادرت النهر متوجهًا لمنزلي على طول السكة الحديدية في المنطقة.
في الطريق؛ وجدت صديق لي يدعى ” توكيجيور هاتا”. حين رأيته بدأت أتساءل؛ لماذا قدميه أصيبت بكل تلك الحروق البالغة ؟ كانت العضلات في جسده ظاهرة تمامًا في مشهد مُخيف، و حينها أدركت أنني مُصاب أيضًا بحروق بالغة نتيجة الإنفجار”
السيدة أكيكو تاكاكورا؛ كانت في الحادية و العشرين من عمرها، و كانت تقف على بعد 300 متر من المكان؛ حين أُلقيت القنبلة. تقول في رواياتها: “نجوت بأعجوبة على الرغم من أنني تعرضت لأكثر من 100 جرح بالغ مَزّقَ ظهري نتيجة الحادثة.
المشهد كان مرعبًا؛ حيث قُتل الكثير من الناس أمام عيني على الفور، كانت أطراف أصابعهم تشتعل أولًا، ثم تبدأ النيران تلتهمم تدريجيًا. كان هناك سائل رمادي اللون غير معروف يسيل على أذرعتهم، مؤديًا لموتهم إشتعالًا بتلك الطريقة.
ناكامورا هيروشي؛ كان في الثالثة عشر من عمره؛ و يعمل في محطة القطار القريبة من موقع الحادثة. يقول في روايته: كنت أعمل مع فرق الإنقاذ بعد الحادثة، و طلب مني أحد الجنود مساعدة الفريق بجمع الجثث من الموقع في عربات، لكني كنت أرتعب من مشاهدتهم.
صرخ الجندي عليّ لأقوم بمساعدتهم. أمسكت بجثة؛ و حين رفعتها لأضعها في العربة؛ إنسلخ الجلد تمامًا من عليها، و لم يبقى في يدي سوى العظام.
هذه الرواية “القطار الأخير من هيروشيما“؛ يروي فيها تشارلز بلغرينو؛ ما حدث؛ قبل و بعد الكارثة، و كيف كانت الصورة حينها لكافة أنواع الوجود على الأرض، وفقًا لروايات من نجوا.
هيروشيما و ناغازاكي اليوم
طالما ظلّ هناك أشخاص يجوبون الأرض؛ عندئذٍ لن تتوقف الحياة فيها. فالحياة تُولد من بذرةٍ خضراء دُفنت في مكانٍ ما؛ و كذلك البشر. فهيروشيما، وناغازاكي بعد 70 عامًا من الحادثة، أصبحتا مدينتان إختلفت فيهما الحياة كليًا عما سبق، و أصبحتا أكثر حضارة لتواكبا الزمن؛ الذي يُضمد جراحهما يومًا بعد يوم، بالرغم من أن الألم لا زال موجودًا في قلوب ساكنيها، و اليابان كافة.
![]() |
أحد المباني التي نجت عند وقوع الحادثة، و ظل ثابتًا بهيئته؛ حتى يومنا هذا في هيروشيما |
![]() |
ناغازاكي اليوم؛ تعد من أفضل المدن السياحية في اليابان |
![]() |
صورة بانورامية لنصبٍ تذكاري أُقيم في موقع إلقاء القنبلة النووية في ناغازاكي |
ما يثير السخرية حقًا؛ أن نتائج الكارثة كانت معروفة جيدًا مُسبقًا من قِبل قوات البحرية الأمريكية. حيث جرى تجربة كلتا القنبلتين في جزيرة “بيكيني”؛ و علموا أن تجاربهم وفّرت لهم النتائج المَرْجُوّة.
و إحتفالًا بذلك الإنجاز؛ قام الفريق المسؤول عن إنتاج القنبلتين في البحرية الأمريكية؛ بالإحتفال بكعكة أطلقوا عليها إسم “الكعكة الذرية- Atomic Cake”؛ التي صُممت لتُحاكي دخان القنبلة النووية الناتج من الإنفجار.
![]() |
مسؤولوا البحرية الأمريكية أثناء تقطيعهم كعكة الـ atomic إحتفالًا |
أخيرًا.. حين تصل إلى هنا؛ ستشعر بالضيق، و الحِنْق، و ربما السخف أيضًا مما جرى، و ستدرك حرفيًا أن طبيعة النفس البشرية في الإنتقام؛ أشد قسوة من أي كائنٍ آخر يعيش على هذه الأرض.
فحجم الكارثة من الناحية المنطقية الطبيعية للعقل البشري؛ ليس له أي مبرر على الإطلاق مهما بلغت الأسباب حدة و ذروة.
بربّكم؛ من له الحق في إلقاء قنبلة ذرية؛ إنشطارية؛ على مدينةٍ تَعُج بالمدنيين العُزّل؛ لمجرد أن بلادهم وقعت طرفًا في صراع؛ قرر مسؤولوها أنهم طرفًا فيها ؟؛ ليلقى نحو 140.000 شخص- كآخر إحصائية- حتفهم في دقائق معدودة، و ليبقى الناجون منهم بتشوهات دائمة طالتهم، و طالت نسلهم من بعدهم؛ نتيجة الكمية المهولة من الإشعاعات التي تلقوها آنذاك !