موجة ربما هي ليست بالجديدة على العالم ولكن يمكن ملاحظتها إن قررت منحها المزيد من الانتباه “صناعة السعادة” المفهوم الذي انطلق في العديد من العلوم المختلفة والصناعات والتسويق والترفيه وحتى على مستوى الدول فتجد مؤشرا عالميا ودراسات متعددة تخص السعادة أي شعب هم الأسعد بالعالم! ، فلم يعد هذا المفهوم محصورا باعتباره قيمة شخصية فردية بل أصبح يمثل في العديد من المجتمعات المتقدمة والشركات العملاقة رؤية وخط سير.
السؤال الذي يجب علينا طرحه على أنفسنا! هل نحن سعداء حقا؟ هل حقا أشعر بالسعادة؟ وإن كنت كذلك ما الذي يجعلني سعيدا؟ وإن لم أكن كيف أكون سعيدا؟
السعادة هي منظور شخصي يختلف من شخص لآخر ومن منظومة لأخرى قد تكون أنت سعيد لإنجازك مشروع كالشخصي بينما الآخر يجد سعادته في تناول البوظة ،بعض الشركات تجد سعادتها في خلق مزيد من الإبداع كما تفعل google وأخرى في عقد المزيد من الصفقات الرابحة كما هو الحال في مجموعة دونالد ترامب للعقارات.
وحتى في الدول نجد سويسرا موطن الشوكولاتة والساعات الثمينة تستأثر بمؤشر السعادة في المترتبة الأولى للمرة الثالثة على التوالي حسب دراسات الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لاهتمامها بالفرد تأتي من بعدها النرويج لاهتمامها بالتعليم وهكذا ، حتى أن إمارة دبي أطلقت مؤشر السعادة لقياس مستوى الخدمات العامة في عدد من الجهات الحكومية باعتباره مؤشرا حقيقيا للتحسين والتطوير.
إذ ألم تتساءل يوما لماذا نجد السعادة حتى عند الفقراء وبعض المعدمين؟ قد تستغرب من ضحكات أطفال مع بعضهم وهم يجلسون على صفيحة معدنية مهترئة أو عجوز تضحك وهي تفترش قارعة الطريق في أحد الأحياء الفقيرة!.
كل ذلك يجعلك تدرك أن السعادة هي قرار شخصي وأن تبنيك له كمنظور لحياتك وعملة يومية سيجعلك تحقق أحلامك وتكتسب الثراء والشهرة وكل ما ترغب به، السعادة لها تأثر السحر في دفع يومك للأفضل من خلالك أنت.
إذ لها تأثير كبير على الصحة النفسية والعقلية وتخفيض مستوى الانفعالات والتوتر ابتعادك عن السعادة ووضع نفسيتك بموضع الخوف و الحزن والغضب والاستياء دون وعي منك والاستمرار بذلك من شأنه أن يسبب لعقلك الانكماش ويدفع جسدك لأخذ وضعية كونك “أنت في خطر” كما لو كنت مطاردا من أسد ، في ذلك ذكرت عالمة أمريكية تدعى “كانداس بيرت” في كتابها (جزئيات المشاعر” عن أحد الأطباء “أن المشاعر والأفكار الغير محررة وكل معاناة سلبية سوف تظهر جميعها وتؤدي للمرض”.
لا يعني ذلك انفصالك عن تلك المشاعر وأن تحيا حالة إنكار بل أن تعيشها لفترة ليست بالطويلة وتفرغها بالاعتراف لنفسك أو بالبكاء أو باستشارة متخصص وبعدها تطلقها بسلام وتعود لنفسك في حالة التوازن وأنت بكامل وعيك أي لا تسمح لها بالسيطرة عليك.
هذا المنظور يمكن لك أن تعمل على مده ليشمل شركتك أو مؤسستك وحتى الدولة فقصص النجاح والسعادة التي يتمتعون هي أنهم قادرين على صناعة السعادة لذا يمكنك أن تفعل ذلك أنت أيضا والبداية هي أنت نفسك من خلال ديناميكية صناعة السعادة وذلك من خلال:
1- أن تؤمن تماما بنفسك أن عندك كل القدرة والامكانيات المطلوبة لتبدأ صناعة سعادتك كما يقول سوامي فيفكندا “عليك أن تنمو من الداخل إلى الخارج لا أحد يمكنه أن يعلمك ، لا أحد يستطيع جعلك ملهما ،لا يوجد معلم آخر عدا روحك أنت”.
2- اتبع شغفك ،هل لك أن تتخيل يومك بأكمله وأنت تفعل ما تحب! ما تحب وفقط! إن كان شغفك في أي شيء مهما كان بعينيك متواضعا وبسيطا كالطبخ أو تجميع الزجاجات الفارغة أو صناعة منازل من أعواد الكبريت ،ببساطة افعل ذلك..
خصص لنفسك وقتا يوميا لتفعل ذلك وتذكر ما يقوله هارود ثورمان “لا تسأل نفسك عما يحتاج إليه العالم بل اسأل نفسك عما يجعلك تشعر بالشغف ثم انطلق لتحقيقه لأن ما يحتاج إليه العالم هو أشخاص تملئوهم الطاقة والحيوية”.

إن كنت ببساطة لا تعرف ما هو شغفك بالضبط! فهذا يعني أنك إما لم تحيا الكثير من التجارب أو إنك لم تصل لشعلتك الداخلية ما عليك سوى أن تجرب الكثير من الأشياء أو تستمر بذلك خصوصا تلك التي تتضمن مساعدة للآخرين بإسعادهم وحتما ستجد شغفك.
3- اقرأ عن السعادة وشاهد أفلاما واحضر محاضرات أو دروسا عن السعادة “تجاهل تلك الخرافات التي تخبرك أنها مجرد أشياء لا جدوى منها” تأكد أن ما تتبعه يتبعك وحين تضع نفسك في تلك الدائرة ستجد أن ديناميكية السعادة بدأت تتحرك داخلك يمكنك أن تقرأ لكل من ديباك شوبرا, المفكر الروسي فاديم زيلاد، وين داير ولويز هاي وحتى في سيرة النبي محمد صلى الله عليه سلم ، كما ويمكنك مشاهدة أفلام مثل “A Good year” و “The Last Holiday” و “Forrest Gump” وغيرها.
4- انشغل بشئونك الخاصة ، ليكن تركيزك منصبا على حياتك أنت لا تنشغل بأخبار الآخرين بادر للمساعدة ولكن دون أن تسمح لأي كان بأن يستأثر عليك بالكامل مستنفذا كل طاقة تفكيرك ووقتك ومالك.
5- ليكن لك موقفا مختلفا من الخسارة اسرد قائمتك من الدروس المستفادة وأن كل شيء يسير لصالحك بأنك الآن مستعد للمرحلة القادمة عليك أن تؤمن أنها أكبر وهي كذلك، حين طرد المغني الأميركي فرانك سيناترا من تجربة الأداء الأخيرة بعذر أن حنجرته ليست مناسبة للغناء، تعتقد ما الذي فعله!
لقد اعتبر تلك إشارة وبدأ دروسا بالسباحة كان يظل طويلا تحت الماء لتوسعة الشعب الهوائية بصدره ليتمكن من ضم أكبر نسبة من الأنفاس وبعد عدة أشهر لاحظ تغيرا في خامة صوته فحين تسمع أغانيه في خلفية اغلبية أفلام هوليوود خصوصا أغنيته الشهيرة “New York…New York”.
6- اصنع لنفسك بيئة من السعادة ،اهتم بصحتك من الطعام وممارسة الرياضة هناك أطعمة باعثة على السعادة منها الموز وكذلك في الرياضات كالرقص ، وأيضا ابتسم ، وكن وفيا للوعود التي تطلقها لنفسك إن وعدت نفسك بالاستيقاظ باكرا افعل.
قم بتنظيم غرفتك وسيارتك ومكتبك أيضا وتخلص من كل الأشياء القديمة والتي لا تحتاجها وأحط نفسك بالجمال ، أحط نفسك بالسعداء وصادقهم واستمع للموسيقا ذات الذبذبات المبهجة والسعيدة وانتق الاغنيات حسب كلماتها الإيجابية التي تتحدث عن الحب النقي والسعادة والسلام.

7- تبنى أسس السعادة كما يصفها المحاضر والمدرب جو فيتالي في كتابه “المفتاح لجذب ما تريد” كما يسميها مظاهر الحب الأربعة وهي “السماح والتقبل والموافقة والتقدير”.
8- عش قوة الآن كما يسميها المحاضر الروحاني “إيكارت تول” وهو عنوان كتابه أيضا وأنا أيضا أنصحك بقراءته بعمق، السعادة هي الآن في الحاضر إن فكرت أنك ستستعيدها من الماضي أو ستكون بانتظارك بالمستقبل فهي زائفة هي شعور تبدأ بجلبه لنفسك الآن..
في اللحظة مع نفسك الحالي قول جميل لماري مانين مورسي يمكنك أن تحتفظ به في ورقة بجيبك أو تكتبه لتعلقه في مكان ما تقول فيه “ابدأ العيس الآن ،توقف عن الاحتفاظ بأوانيك الخزفية الجيدة لمناسبة خاصة، توقف عن حجب حبك حتى يظهر الشخص المناسب ، كل يوم أنت تعيش مناسبة خاصة وكل دقيقة وكل نفس هو هبة من الله”.
حين تبدأ ديناميكية السعادة داخلك بالدوران ستدرك الاختلاف في مستوى وعيك وحياتك وحتى في تبدل ظروفك لا تقلق من خروج بعض الأشخاص من حياتك أو وقوعك في معارضة ما فحين تكون في دائرة الراحة لمدة طويلة كل شيء حولك سيعتاد عليك وما أن تبدأ التحول نحو الخروج لدائرة السعادة كل شيء سيتغير حتما ولصالحك.
إن تبنيك لسعادتك لن يبقي تلك القائمة التي كتبتها لأحلامك في ورقة هشة بل إنها ستبدأ بالتحقق فعلا فالجمال والثراء والوفرة والقوة تتبع السعداء فقط ولكل سعيد سعادته التي يصيغها حسب ما يريده هو لذا حتى فكرة المنافسة أو المقارنة في منظور السعادة ليست موجودة.
أرأيت كيف أن صناعة السعادة سعادة بحد ذاتها!.